في كرة القدم وغيرها من الرياضات الجماعية، يكون للمدرب دور كبير فهو الذي يضع الخطة ويجري التغييرات ويحدد تمركز اللاعبين. كما أن شخصيته وخبرته قد تترك أثرها في بعض اللاعبين الذين يدينون بنجاحاتهم إلى مدربيهم. المدرب هو من يتحول أيضا عادة إلى كبش فداء في حالة الخسارة.
الأمر لا يختلف كثيرا في الرياضات القتالية، حيث يكون للمدرب دور مهم في فترة التحضير للنزال وأثناء المواجهة بنصائحه وتوجيهاته.
وكما في كرة القدم، حيث يسرق اللاعبون النجومية، يتوارى مدربو الرياضات القتالية إلى الوراء في حين يبرز اسم المقاتل أكثر.
لكن المقاتلين، أكثر من غيرهم، يعرفون قيمة عمل مدربيهم، وهو ما تعكسه مثلا إشادة بطل UFC كونور ماكغريغور بمدربه جون كافاناغ الذي يعتبر من الأشخاص الذين أثروا في حياته ومسيرته.
في ArabsMMA، حيث نهتم بمتابعة أخبار المقاتلين العرب، ارتأينا هذه المرة تسليط الضوء على دور المدرب وأهميته. لم نجد أفضل من أشرف شيشاني، أحد الأسماء البارزة في سماء التدريب في العالم العربي، لإعطاء القارئ لمحة عن الموضوع.
ما بين الكاراتيه في الصغر والملاكمة في فترة الشباب، تنقل شيشاني ما بين الرياضات القتالية قبل أن يستقر على المصارعة الرومانية واليونانية والجوجيتسو البرازيلية حيث حصل سنة 2012 على الحزام الأسود من زيد ميرزا وتدرب مع أسماء معروفة مثل بيدرو جاليزا وجوناتاس غورجيل وإيفان دي لوكاس وغيرهم.
خبرته في هاته الرياضات قادته إلى تطوير نظام خليط من التقنيات أسماه Shishani Submission Systems. يرفض شيشاني اعتبار نظامه هذا رياضة جيدة أو ما شابه ذلك، حيث يقول بكل التواضع الذي يميزه وهو يشرح أن ما قام بتطويره هو:
“نظام خليط من الجيو جيتسو و الكاتش ريسلنغ. كان الفكره هي إيجاد تقنيات سهله و لكن أعنف من تلك الموجودة في الجيوجيتسو.. لا اعتقد بانها رياضه بذاتها. كل شي موجود تحت السماء. لا يوجد جديد. ما يتم هو إما تعديل أو إعادة اكتشاف. هو نظام يقع تحت مسمى الغرابلينغ ولكنه ليس رياضه بحد ذاتها”.
نظام شيشاني لم يقتصر على الغرابلينغ مع ذلك، حيث عكف على جعله يتأقلم مع منافسات الفنون القتالية المختلطة التي اشتغل فيها مع عدد من الأسماء المعروفة داخل الأردن والدول العربية الأخرى مثل طارق سليمان وعبد الكريم السلوادي ومحمد فخر الدين ويوسف وهبة ومحمد غربي وابراهيم الصاوي.
المدرب الأردني يقول إن أبواب أكاديميته مفتوحة للجميع وأنه يرحب بكل من يريد التدرب معه. خبرته تلك كانت عاملا مساعدا في انتصارات عدد من المقاتلين. لكن تواضعه يعود للواجهة حينما نسأله عن إحساسه عندما ينتصر أحد مقاتليه حيث يجيب:
“لا أدري (يضحك).. يعني الفوز هو المهم، يكفي أنني كنت سببا صغيرا في المساعدة على تحقيقه“.
سواء كان عاملا صغيرا كما يقول، أو عاملا كبيرا بحكم واقع الأشياء، فلا شك أن أشرف شيشاني ساهم في انتصارات من تدربوا معه في نزالاتهم ببطولة “ديزرت فورس” على سبيل المثال، كما هو الشأن بالنسبة لمحمد فخر الدين ضد أنيس الحجاجي أو يوسف وهبة ضد محمد التريكي. هذا الأخير كان لتغيير خطته أثناء النزال دور في انتزاعه لدرع وزن 70 كغ وهو ما شرحه شيشاني بقوله:
“عند أول لكمة أصابت يوسف بدأ يترنح، لذلك كان من اللازم تغيير طريقة اللعب. أفضل طريقة كانت هي إغلاق المسافة مع الخصم والعمل على الإسقاطات والضغط عند القفص والقيام بملاكمة قريبة“.
فعالية يوسف وهبة أثناء النزال أثارت حفيظة البعض من الجمهور وحتى خصمه الذي اتهمه بأن تحاشى مواجهته بعد أن سيطر على النزال على الأرض. لكن شيشاني، الذي ينظر للأمر بمنطق الخبير، يقدم وجهة نظر مخالفة حيث يقول:
“النزال هو أن تلعب لأجل الفوز وبأقل الأضرار. النزال ليس مجرد إشباع لرغات الجمهور الدموية. الفنون القتالية المختلطة صارت علما حاليا وليس مجرد قوة قلب كما يراها البعض“.
كلام الخبير المتأثر بأسلوب مقاتلين كبار، خاصة من ذوي خلفيات في المصارعة مثل راندي كوتور ودان هندرسون وتشايل سونون، يعكس أهمية المدربين في ضمان نتيجة الفوز. شيشاني يعتبر أنه لا يمكن تحديد نسبة معينة لمساهمة المدرب في الفوز، لكنه يقول في المقابل:
“الكورنر يمكن أن يرى أشياء لا يراها المقاتل..طبعا المقاتل يوجد لوحده داخل الحلبة ما يعني أن المسؤولية الأكبر تقع عليه. لكن الكورنر له دور أيضا ما يجعل النزال عمل فريق، بالإضافة طبعا إلى كل من ساهموا في التحضير وتدريب المقاتل استعدادا للمواجهة“.
اليوم، شيشاني هو واحد من المدربين المشهود لهم بالكفاءة في العالم العربي في مجال الفنون القتالية المختلطة. بخصوص مستوى هذه الرياضة في بلداننا يقول المدرب الأردني:
“صراحة هناك مقاتلون ممتازون. لكن الأغلبية بحاجة إلى مزيد من العمل لرفع مستواهم. المشكلة تعود ربما إلى غياب مدربين جيدين. للأسف نلاحظ تزايد المدربين بشكل رهيب مع أنهم ليس لهم خبره كافيه في الـ MMA. ربما يكونون جيدين في الفنون القتالية الأخرى التي يمارسونها، ولكن ليس في الفنون القتالية المختلطة. أعتقد أن المعسكرات تفيد المقاتلين بشكل كبير حيث يصبح هناك احتكاك مع مستويات أعلى“.
في انتقادات أشرف شيشاني وتوجيهاته إشارة مهمة للرياضيين والمشتغلين في الفنون القتالية المختلطة بالوطن العربي إلى ضرورة تطوير المستوى الشخصي لتطوير الرياضة عامة ببلداننا.
التوق إلى التطور هو ما يحرك المدرب الأردني الذي يرد حينما نسأله عن طموحه الشخصي:
“أطمح أن يصبح فريقي أكبر ويصبح لدينا عدد كاف من المقاتلين في كافة الأوزان وأن نستطيع مع مرور الوقت المنافسة على المستوى العالمي“.